فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرجت المسيبة بلفظ السائبة، كما قيل في عيشة راضية يعني مرضية، وفي السائبة قولان:
أحدهما: أنها الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس فيهن ذكر سُيِّبَتْ فلم يُرْكَب ظهرها ولم يُجَزّ وبرها ولم يَشْرَب لبنَها إلا ضيفٌ، وما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أُذُنُها، وسميت بحيرة، وخُلِّيَتْ مع أمها، قاله محمد بن إسحاق.
والقول الثاني: أنهم كانوا ينذرون السائبة عند المرض فيسيب الرجل بعيره ولا يركب، ولا يجلى عن ماء كالبحيرة، قاله أبو عبيدة.
أما الوصيلة فأجمعوا على أنها من الغنم، وفيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها الشاة إذا ولدت سبعة أبطن نُظِرَ في البطن السابع فإن كان جَدْيًا ذبحوه، فأكل الرجال دون النساء، فقالوا هذا حلال لذكورنا، حرام على أزواجنا ونسائنا، وإن كان عناقًا سرحت في غنم الحي، وإن كان جَدْيًا وعناقًا، قالوا وصلت أخاها فسميت وصيلة، قاله عكرمة.
القول الثاني: أنها الشاة إذا أتأمت عشر إناث في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر، جعلت وصيلة، فقالوا قد وصلت، وكان ما ولدت بعد ذلك للذكور دون الإِناث قاله محمد بن إسحاق.
والقول الثالث: أن العرب كانت إذا ولدت الشاة لهم ذكرًا قالوا هذا لآلهتنا فيتقربون به، وإذا ولدت أنثى قالوا هذه لنا، وإذا ولدت ذكرًا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوه لمكانها، قاله أبو عبيدة.
وأما الحام ففيه قول واحد أجمعوا عليه وهو البعير ينتج من صلبه عشرة أبطن، فيقال حمى ظهره ويخلَّى. اهـ. باختصار يسير.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة} أي: ما أوجب ذلك، ولا أمر به.
وفي «البحيرة» أربعة أقوال:
أحدها: أنها الناقة إِذا نُتِجَتْ خمسة أبطن نظروا إِلى الخامس، فإن كان ذكرًا نحروه، فأكله الرجال والنساء، وإِن كان أنثى شقوا أُذنها، وكانت حرامًا على النساء لا ينتفعن بها، ولا يذقن من لبنها، ومنافعها للرجال خاصة، فإذا ماتت، إشترك فيها الرجال والنساء، قاله ابن عباس، واختاره ابن قتيبة.
والثاني: أنها الناقة تلد خمس إِناث ليس فيهن ذكر، فيَعْمِدون إِلى الخامسة، فيَبْتِكُون أُذنها، قاله عطاء.
والثالث: أنها ابنة السائِبة، قاله ابن إِسحاق، والفراء.
قال ابن إِسحاق: كانت الناقة إِذا تابعت بين عشر إِناث، ليس فيهن ذكر، سُيِّبت، فإذا نُتِجَتْ بعد ذلك أُنثى، شقّت أُذنها، وسمّيت بحيرة، وخليت مع أُمها.
والرابع: أنها الناقة كانت إِذا نُتِجَت خمسة أبطن، وكان آخرها ذكرًا بحروا أُذنها، أي: شقُّوها، وامتنعوا من ركوبها وذبحها، ولا تطرد عن ماء، ولا تمنع عن مرعى، وإِذا لقيها لم يركبها، قاله الزجاج.
فأما «السائبة»، فهي فاعلة بمعنى: مفعولة، وهي المسيّبة، كقوله: {في عيشة راضية}: أي مرضيّة.
وفي السائِبة خمسة أقوال:
أحدها: أنها التي تُسيّب من الأنعام للآلهة، لا يركبون لها ظهرًا، ولا يحلبون لها لبنًا، ولا يجزُّون منها وبرًا، ولا يحملون عليها شيئًا، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: أن الرجل كان يُسيّب من ماله ما شاء، فيأتي به خزنة الآلهة، فيطعمون ابن السبيل من ألبانِه ولحومه إِلا النساء، فلا يطعمونهن شيئًا منه إِلا أن يموت، فيشترك فيه الرجال والنساء، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
وقال الشعبي: كانوا يهدون لآلهتهم الإِبل والغنم، ويتركونها عند الآلهة، فلا يشرب منها إِلا رجلٌ، فإن مات منها شيءٌ أكله الرجال والنساء.
والثالث: أنها الناقة إِذا ولدت عشرة أبطن، كلهن إِناث، سيّبت، فلم تركب، ولم يجز لها وبر، ولم يشرب لبنها إِلا ضيف أو ولدُها حتى تموت، فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء، ذكره الفراء.
والرابع: أنها البعير يُسيّب بنذر يكون على الرجل إِن سلمه الله تعالى من مرض، أو بلّغه منزله أن يفعل ذلك، قاله ابن قتيبة.
قال الزجاج: كان الرجل إِذا نذر لشيء من هذا، قال: ناقتي سائبة، فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها ولا تمنع من ماء ومرعى.
والخامس: أنه البعير يحج عليه الحجة، فيُسيّب، ولا يستعمل شكرًا لنجحها، حكاه الماوردي عن الشافعي.
وفي «الوصيلة» خمسة أقوال:
أحدها: أنها الشاة كانت إِذا نُتِجَت سبعة أبطن، نظروا إِلى السابع، فإن كان أُنثى، لم ينتفع النساء منها بشيء إِلا أن تموت، فيأكلها الرجال والنساء، وإِن كان ذكرًا، ذبحوه، فأكلوه جميعًا، وإِن كان ذكرًا وأُنثى، قالوا: وصلت أخاها، فتترك مع أخيها فلا تذبح، ومنافعها للرجال دون النساء، فإذا ماتت، اشترك فيها الرجال والنساء، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
وذهب إِلى نحوه ابن قتيبة، فقال: إِن كان السابع ذكرًا، ذبح فأكل منه الرجال والنساء، وإِن كان أُنثى، تركت في النعم، وإِن كان ذكرًا وأُنثى، قالوا: وصلت أخاها، فلم تذبح، لمكانها، وكانت لحومها حرامًا على النساء، ولبن الأُنثى حرامًا على النساء إِلا أن يموت منها شيء فيأكله الرجال والنساء.
والثاني: أنها الناقة البكر تبتكر في أول نتاج الإِبل بالأُنثى، ثم تثنّي بالأنثى، فكانوا يستبقونها لطواغيتهم، ويَدْعونها الوصيلة، أي: وصلت إِحداهما بالأُخرى، ليس بينهما ذكر، رواه الزهري عن ابن المسيّب.
والثالث: أنها الشاة تنتج عشر إِناثٍ متتابعاتٍ في خمسة أبطن، فيدعونها الوصيلة، وما ولدت بعد ذلك فللذكور دون الإِناث، قاله ابن إِسحاق.
والرابع: أنها الشاة تنتج سبعة أبطن، عناقين عناقين، فإذا ولدت في سابعها عناقًا وجديًا، قيل: وصلت أخاها، فجَرت مجرى السائبة، قاله الفراء.
والخامس: أن الشاة كانت إِذا ولدت أُنثى، فهي لهم، وإِذا ولدت ذكرًا جعلوه لآلهتهم فإن ولدت ذكرًا وأُنثى، قالوا: وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم، قاله الزجاج.
وفي «الحام» ستة أقوال:
أحدها: أنه الفحل، ينتج من صلبه عشرة أبطن، فيقولون: قد حمى ظهره، فيسيبونه لأصنامهم، ولا يحملُ عليه، قاله ابن مسعود، وابن عباس، واختاره أبو عبيدة، والزجاج.
والثاني: أنه الفحل يولد لولده، فيقولون: قد حمى هذا ظهره، فلا يحملون عليه، ولا يجزُّون وبره، ولا يمنعونه ماءً، ولا مرعى، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، واختاره الفراء، وابن قتيبة.
والثالث: أنه الفحل يظهر من أولاده عشر إِناثٍ من بناته، وبنات بناته، قاله عطاء.
والرابع: أنه الذي ينتج له سبع إِناث متواليات، قاله ابن زيد.
والخامس: أنه الذي لصُلبه عشرة كلها تضرِب في الإِبل، قاله أبو روق.
والسادس: أنه الفحل يضرب في إِبل الرجل عشر سنين، فيخلَّى، ويقال: قد حمى ظهره، ذكره الماوردي عن الشافعي.
قال الزجاج: والذي ذكرناه في البحيرة، والسائِبة، والوصيلة، والحام أثبت ما روينا عن أهل اللغة.
وقد أعلم الله عز وجل في هذه الآية أنه لم يحرّم من هذه الأشياء شيئًا، وأن الذين كفروا افتروا على الله عز وجل.
قال مقاتل: وافتراؤهم: قولهم: إِن الله حرَّمه، وأمرنا به. اهـ.

.قال ابن عطية:

لما سأل قوم عن هذه الأحكام التي كانت في الجاهلية هل تلحق بحكم الله في تعظيم الكعبة والحرم. أخبر تعالى في هذه الآية أنه لم يجعل شيئًا منها ولا سنه لعباده.
المعنى ولكن الكفار فعلوا ذلك إذ أكابرهم ورؤساؤهم كعمرو بن لحي وغيره يفترون على الله الكذب ويقولون هذه قربة إلى الله وأمر يرضيها {وأكثرهم} يعني الأتباع {لا يعقلون} بل يتبعون هذه الأمور تقليدًا وضلالًا بغير حجة و{جعل} في هذه الآية لا يتجه أن تكون بمعنى خلق الله. لأن الله تعالى خلق هذه الأشياء كلها. ولا هي بمعنى صير لعدم المفعول الثاني، وإنما هي بمعنى ما سنَّ ولا شرع فتعدت تعدي هذه التي بمعناه إلى مفعول واحد و«البحيرة» فعلية بمعنى مفعولة. وبحر شق كانوا إذا انتجت الناقة عشرة بطون شقوا أذنها بنصفين طولًا فهي مبحورة وتركت ترعى وترد الماء ولا ينتفع منها بشيء ويحرم لحمها إذا ماتت على النساء ويحل للرجال، وقال ابن عباس كانوا يفعلون ذلك بها أنتجت خمسة بطون، وقال مسروق إذا ولدت خمسًا أو سبعًا شقوا أذنها.
قال القاضي أبو محمد: ويظهر مما يروى في هذا أن العرب كانت تختلف في المبلغ الذي تبحر عنده آذان النوق، فلكل سنة، وهي كلها ضلال، قال ابن سيده ويقال «البحيرة» هي التي خليت بلا راع، ويقال للناقة الغزيرة بحيرة.
قال القاضي أبو محمد: أرى أن البحيرة تصلح وتسمن ويغزر لبنها فتشبه الغزيرات بالبحر، وعلى هذا يجيء قول ابن مقبل:
فيه من الأخرج المرتاع قرقرة ** هدر الزيامي وسط الهجمة البحر

فإنما يريد النوق العظام وإن لم تكن مشققة الآذان. وروى الشعبي عن أبي الأحوص عن أبيه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي أرأيت إبلك ألست تنتجها مسلمة آذانها، فتأخذ الموسى فتقطع آذانها، فتقول هذه بحر، وتقطع جلودها فتقول هذه صوم فتحرمها عليك وعلى أهلك؟ قال نعم قال: فإن ما آتاك الله لك حل. وساعد الله أشد، وموسى الله أحد، والسائبة هي الناقة التي تسيب للآلهة، والناقة أيضًا إذا تابعت اثنتي عشرة إناثًا ليس فيهن ذكر سيبت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكثم بن الجون الخزاعي: «يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت أشبه به منك، قال أكثم: أيضرني شبهه يا رسول الله؟ قال: لا إنك مؤمن وإنه كافر»، هو أول من غير دين إسماعيل عليه اسلام ونصب الأوثان وسيب السوائب، وكانت السوائب أيضًا في العرب كالقربة عند المريض يبرأ منه، والقدوم من السفر، وإذا نزل بأحدهم أمر يشكر الله عليه تقرب بأن يسيب ناقة فلا ينتفع منها بلبن ولا ظهر ولا غيره، يرون ذلك كعتق بني آدم، ذكره السدي وغيره وكانت العرب تعتقد أن من عرض لهذه النوق فأخذها أو انتفع منها بشيء فإنه تلحقه عقوبة من الله، و«الوصيلة» قال أكثر الناس:
إن «الوصيلة» في الغنم قالوا إذا ولدت الشاة ثلاثة بطون أو خمسة فإن كان آخرها جذيًا ذبحوه لبيت الآلهة وإن كانت عناقًا استحيوها وإن كان جذي وعناق استحيوهما وقالوا هذه العناق وصلت أخاها فمنعته من أن يذبح، وعلى أن الوصيلة في الغنم جاءت الروايات عن أكثر الناس وروي عن سعيد بن المسيب أن الوصيلة من الإبل كانت الناقة إذا ابتكرت بأنثى ثم ثنت بأخرى قالوا وصلت أنثيين، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم أو يذبحونها.
شك الطبري في إحدى اللفظين. وأما «الحامي» فإنه الفحل من الإبل إذا ضرب في الإبل عشرين وقيل إذا ولد من صلبه عشر وقيل إذا ولد ولده قالوا حمي ظهره فسيبوه لم يركب ولا سخر في شيء، وقال علقمة لمن سأله في هذه الأشياء ما تريد إلى شيء كان من عمل أهل الجاهلية وقد ذهب؟ وقال نحوه ابن زيد.
قال القاضي أبو محمد: وجملة ما يظهر من هذه الأمور أن الله تعالى قد جعل هذه الأنعام رفقًا لعباده ونعمة عددها عليهم ومنفعة بالغة، فكان أهل الجاهلية يقطعون طريق الانتفاع ويذهبون نعمة الله فيها ويزيلون المصلحة التي للعباد في تلك الإبل، وبهذا فارقت هذه الأمور الأحباس والأوقاف، فإن المالك الذي له أن يهب ويتصدق له أن يصرف المنفعة في أي طريق من البر، ولم يسد الطريق إليها جملة كما فعل بالبحيرة والسائبة، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تجوز الأحباس والأوقاف وقاسوا على البحيرة والسائبة، والفرق بين، ولو عمد رجل إلى ضيعة له فقال هذه تكون حبسًا لا يجتنى ثمرها ولا يزرع أرضها ولا ينتفع منها بنفع لجاز أن يشبه هذا بالبحيرة والسائبة، وأما الحبس البين طريقه واستمرار الانتفاع به فليس من هذا، وحسبك بأن النبي عليه السلام قال لعمر بن الخطاب في مال له: اجعله حبسًا لا يباع أصله، وحبس أصحاب النبي عليه السلام. اهـ.